يستعد الشعب التشادي في هذه الأيام للاحتفال ـ بيوبيله الفضي ـ للحكم الوطني في الدولة التشادية التي نالت استقلالها القومي في 11من أغسطس عام 1960م أي مرّ على استقلال البلاد نصف قرن من الزمن ، وبالنظر إلى الخبرة التاريخية للحكم الوطني طوال هذه الفترة ، نجد إن جل هذه الفترة مرت في دوامة من الحروب الدموية ، ولا تزال عجلة الدموية هذه تدور حتى اللحظة بلا توقف ، فربما العجلة ستدور أيضا في المنظور القريب على الأقل فيما يبدو من الأحداث الجارية في الوقت الراهن نتيجة استمرار أسباب التي فجرت تلك الحروب القديمة الجديدة في آن واحد أهمها:ـ
ـ غياب عدالة الاجتماعية والاقتصادية
ـ غياب نظام حكم ديمقراطي ودولة القانون وحكم الرشيد
ـ انتشار الفساد والمحسوبية في كافة مستويات السياسية والإدارية والاجتماعية والاقتصادية
ـ غياب احترام حقوق الإنسان بشكل صارخ
بداية ، تجدر الإشارة إلى تاريخ الحكم الوطني إن جاز هذا التعبير بشكل مختصر لتسليط الأضواء على تلك الأحداث الجسام في تاريخ السياسي المعاصر للدولة التشادية ، حيث كما أشرت سالفا لتاريخ نيل استقلال هذا الوطن المنكوب بعد ستين عاما من الاستعمار الفرنسي البغيض حيث كان في عام 1900م فرقص الشعب التشادي برمته احتفالا للنيل الاستقلال الوطني بعد نضال مريّر صباح ذلك اليوم بقيادة الرئيس: فرانسوا تومبالباي ، كرئيس دولة التشادية ورئيس ـ حزب تقدم التشادي ـ وبذلك وجد الرئيس: تومبالباي ـ دولة مستقلة ونظام سياسي ديمقراطي بتعدد الأحزاب وحكومة تسيطر على كافة التراب الوطني ولكن قام الرئيس ـ تومبالباي ـ في عام 1963م أي بعد ثلاثة سنوات فقط من استلامه للحكم بإلغاء كافة الأحزاب السياسية إلا حزبه ، وبذلك قد كرس سياسة الحزب الواحد في البلاد ، وبذلك قد انتهج نهج نظام حكم الفرد الديكتاتوري في البلاد، وعندما انتفض الشعب التشادي ضد هذه الإجراءات الدكتاتورية برئاسة زعماء الأحزاب المنحلة أمر أجهزته بقمع المتظاهرين وزج بالزعماء في السجون بشكل تعسفي وحكم على بعضهم بالإعدام وأتبع سياسة ـ القبضة الحديدية ـ وعلى رأسهم السيد: محمد أبا سعيد واللهو طاهر كما تم اغتيال الدكتور: أوتيل بونوـ في فرنسا بواسطة عملاء النظام . وتمكن بعض قيادات حزب : الاتحاد الديمقراطي ـ من الفرار إلى خارج البلاد مثل : إبراهيم أبتشه وأبكر جلابو ـ ووصلا إلى دولة ، غانا ، في عهد الرئيس ـ نكروما ـ وعملا من هناك ضد النظام الطاغي في تشاد ، بواسطة راديو يذاع من هناك لحض الشعب من أجل القيام بانتفاضة شعبية عارمة ضد النظام ، وبالمقابل شدد النظام بدوره على سياسة القبضة الحديدية في ربوع البلاد الأمر الذي وسع دائرة العصيان المدني في البلاد خاصة في عام 1965م بعد تفجر منطقة ـ المنقالمي ـ في وسط البلاد وبذلك قد تحتم على قادة المعارضة وعلى الشعب التشادي من تنظيم كفاح مسلح ضد النظام وكان ذلك في 22 من يونيو 1966م بمؤتمر جمع كافة فئات وطبقات الشعب التشادي في مدينة ـ نيالاـ بغرب السودان وتم تكوين ، جبهة التحرير الوطني التشادي ـ فرولينا ـ في نهاية المؤتمر بقيادة الراحل: إبراهيم أبتشه ـ ومن هنا كانت بداية الصراع المسلح الدموي في الدولة التشادية ، فالرئيس : تومبالباي ـ الذي تسلم من السلطات الاستعمارية دولة موحدة ونظام حكم تعددي ، بعد خمسة عشر عاما من حكمه وصل بالبلاد إلى دولة فاشلة وممزقة ومحتلة ، حيث ليبيا تحتل شريط ـ أوزوـ الحدودي في أقصى شمال البلاد ، وحركة ـ فرولينا ـ تسيطر على مقاطعة أو إقليم : بوركو أنيدي تبستي ـ وتدهور علاقة النظام بالدولة الاستعمارية فرنسا بل دب التدهور والتآكل داخل جسم النظام ذاته وقام باعتقالات حتى لبعض قيادات الجيش الوطني دون مبرر ، مما أضطر الجيش التشادي إلى القيام بانقلاب عسكري دامي ضد الرئيس وأدى ليس بنظامه فقط ولكن بحياته في النهاية إلى التهلكة حيث لقي مصرعه من جراء ذلك الانقلاب وذلك في 13من أبريل سنة 1975م بأنجمينا العاصمة.
و تم اختيار الجنرال : فلكس مالوم ـ الذي كان في المعتقل من قبل الرئيس: تومبالباي ـ رئيسا للبلاد من قبل الجيش ولكن الرئيس : فلكس مالوم ـ ومن ورائه ـ المجلس العسكري الأعلى ـ فشلا في إصلاح ما أفسده الرئيس ـ تومبالباي ـ رغم قيام نظام الجديد بمحاولات سطحية للمعالجات ظاهرية مثل اتفاقية الخرطوم للمصالحة بين النظام وقوات المسلحة الشمالية بقيادة السيد: حسين هبري ـ الأمر الذي زاد ـ الطين بلّه ـ وسرعان ما فجر حرب أهلية في العاصمة بين شركاء الحكم ـ أي بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء عقب اتفاقية الخرطوم في عام 1978م أو بين المجلس العسكري الأعلى برئاسة فلكس مالوم وقوات المسلحة الشمالية بقيادة : حسين هبري ـ وذلك في 12 من فبراير 1979م
هذا القتال الذي اندلع في أنجمينا بين شركاء الحكم أتاح الفرصة لبعض الحركات المسلحة في الشمال وفي الغرب للزحف حتى انجمينا لمقاتلة النظام المتهالك دون تنسيق سياسي فيما بينها لرسم ملامح مستقبل السياسي للبلاد ، حيث جاءت من الشمال إلى انجمينا قوات المسلحة الشعبية ـ جيش الثاني ـ لفرو لينا ـ بقيادة : قوكني وداي ـ ومن الغرب قوات المسلحة الغربية ـ الجيش الثالث ـ لفرو لينا ـ بقيادة : إدريس محمد مصطفي ـ ووقفت هذه القوات إلى جانب ـ فرولينا ـ قوات المسلحة الشمالية بقيادة : حسين هبري ـ وزير الدفاع في النظام آن ذاك ضد قوات المسلحة الوطنية ـ بقايا الجيش النظامي في تشاد ـ بقيادة كل من الجنرال فلكس مالوم والعقيد كاموغي ودعبدالقادر ـ إذن بذلك دخلت تشاد في دوامة حقيقية من الصراع الدامي في الحكم الوطني نتيجة لتدخلات خارجية وصراع اللاعبين السياسيين على السلطة وضعف حكومة الرئيس ـ مالوم ـ الذي يعتبر رئيسا صوريا نتيجة تحكم ضباط الذين قاموا بالانقلاب بقيادة : كاموغي ـ على الأمور العامة في البلاد ، فضلا عن الدعم الليبي الضخم لبعض أجنحة فرولينا المناوئة لجناح ـ هبري ـ وكذلك هشاشة اتفاقية الخرطوم وتناقضاتها الصارخة الأمر الذي كاد أن يؤدي وحدة البلاد برمتها في مهب الريح !؟
وهنا لابد أن نسجل الموقف الوطني لرئيس ـ مالوم ـ في قضية الوحدة الوطنية حيث رفض بشدة اقتراح لبعض دوائر الفرنسية حول لإمكانية تقديم الدعم في حالة إعلان انفصال الجنوب عن الشمال!؟ ورد الرئيس بالحسم لن يدخل التاريخ بأنه الذي قام بتقسيم تشاد!؟ ثم قدم استقالته كرئيس للجمهورية وخرج من الحياة السياسية التشادية نهائيا واختار نيجيريا للعيش فيها بقية حياته بعيدا عن الصراع المسلح في تشاد بين اللاعبين السياسيين الجدد على ضيافة صديق له تاركا زمام الأمور لكاموغي وشلته الذين قاموا باغتيال الرئيس : تامبالباي ـ وسيطروا على مقاليد الأمور واستمر الصراع حتى تدخل بعض دول الجوار التشادي لتنظيم قمة للمصالحة الوطنية بين أمراء الحرب في نيجريا وتم عقد قمة
ـ كانو ـ الأول بشمال نيجريا لوقف إطلاق النار في العاصمة تمهيدا للعودة مرة أخري للمصالحة النهائية وذلك في منتصف السبعينيات من قرن الماضي. وبعد فشل مؤتمر كانو الثاني بنيجيريا للمصالحة الوطنية بين أمراء الحرب في تشاد تحت مظلة دول الجوار التشادية نتيجة تدخل بعض الجوار في شأن التشادي حيث اتهم كل من هبري وقوكني الدولتين ليبيا ونيجيريا بالتواطئ لفرض حكومة عميلة لهما في تشاد فعادت بعض قادة فرق المسلحة إلى أنجمينا لتنظيم مؤتمر خاص لترتيب شئون الحكم في تشاد وكان من أهم هذه القادة: حسين هبري وقوكني ودي وإدريس محمد مصطفي وقادة الحكومة السابقة وعلى رأسهم العقيد: كاموغي ـ بعد أن قدم الرئيس مالوم استقالته وأختار أن يعيش في المنفى تاركا الحكم وأزمته نهائيا في تشاد كما تقدم.
وتم تنظيم ما يعرف بمؤتمر ـ دوقيا ـ بالقرب من أنجمينا ونصب السيد: لول محمد شواه ـ رئيسا للبلاد بشكل توافقي بين الحاضرين ولكن نظرا لغياب أجنحة لفرولينا أخرى عديدة عن هذا المؤتمر قامت هذه الحركات وتجمعت في هيكل تنظيمي جديد يسمي ـ جبهة العمل المشترك ـ بدعم ليبي ونيجيري لإسقاط الشرعية الدولية والإقليمية عن هذه الحكومة وفشلت بالفعل هذه الحكومة في مساعيها من أجل كسب الشرعية بعد ستة أشهر من قيامها ، ولكن في نهاية المطاف انتهت هذه الحكومة بصورة مأساوية وذلك اثر قتال عنيف في انجمينا بين قوات وزير الداخلية في تلك الحكومة وهو السيد: قوكني وداي وقوات وزير النقل وهو السيد: ادريس محمد مصطفي الذي لقي مصرعه هو ذاته في القتال وبالتالي خرجت قواته نهائيا من العملية السياسية في تشاد.
وعقب تلك الأحداث الدامية دعت منظمة الوحدة الافريقية كافة الحركات المسلحة في تشاد إلى مؤتمر جامع للمصالحة الوطنية في ـ لايغوس ـ العاصمة النيجيرية آنذاك ويحضره كافة دول الجوار تحت مظلة الوحدة الإفريقية لتكوين
حكومة: وحدة وطنية انتقالية ـ لتقوم هذه الحكومة بتنظيم مرحلة انتقالية وتنتهي بانتخابات رئاسية عامة كمرحلة نهائية لهذه الترتيبات وتم اختيار السيد: قوكني وداي ـ رئيسا للحكومة الانتقالية المؤقتة
والسيد: حسين هبري ـ وزيرا للدفاع فضلا عن توزيع المناصب والحقائب الوزارية لكافة أمراء الحرب في الحركات المسلحة التي وصلت عددها إلى احدي عشرة فرقة عسكرية مسلحة بينما جعل منصب نيابة الرئيس للحكومة السابقة أو ممثلا للأقاليم الجنوبية ، ولكن لا يزال شبح الحرب الأهلية لازمة العملية السياسية في البلاد؟
حيث سرعان ما تفجرت أزمة مؤلمة بين قوات ـ هبري ـ وزير الدفاع وقوكني وداي ـ رئيس الحكومة الانتقالية وهذا القتال الذي يعرف في تاريخ السياسي التشادي بالحرب أل ـ تسعة الأشهرـ في عام 1980م وبعد جولات دامية من الصراع المسلح استطاعت قوات الحكومية من طرد قوات وزير الدفاع من البلاد بدعم مكثف من القوات الليبية وبشكل مباشر.
ولكن لقيت الحكومة موقفا وطنيا وإقليميا ودوليا رافضا لهذا التدخل الليبي خاصة عقب زيارة التي قام بها الرئيس قوكني إلى ليبيا وصدور بيان يفيد باتفاق تشادي ليبي على قيام وحدة اندماجية بين البلدين ! ونتيجة لذلك الموقف الرافض اضطر حكومة التشادية على نفي تلك الاتفاقية وقالت إنها نتيجة خطأ للترجمة لا أكثر ولا أقل. بينما اعتبرت ليبيا هذا تراجع من الحكومة التشادية عن الاتفاقية نتيجة لتلك الضغوط المختلفة فحاولت التدخل لتغيير النظام ضد الرئيس قوكني لصالح وزير الخارجية السيد: أصيل أحمد أخبش ـ وذلك في أواخر عام 1981م الأمر الذي اضطر الرئيس قوكني إلى إصدار أمر بصورة انفعالية يقضي بضرورة إخراج القوات الليبية من الأراضي التشادية من خلال قمة ـ الفرنسية الإفريقية ـ من فرنسا دون تشاور مسبق مع السلطات الليبية اثر تلك التطورات بين البلدين.
وردا على ذلك الأمر الذي اعتبرته ليبيا بشيء من الإهانة ضدها فأمرت قواتها للانسحاب فورا خلال أقل من شهر وبدءا من الجبهات الشرقية ، لوضع حكومة التشادية في مأزق مؤكد أمام قوات ـ هبري ـ في شرق البلاد حيث أمر هبري قواته للسيطرة على كل المواقع التي تنسحب منها القوات الليبية في البلاد وذلك في سباق مع القوات الحكومة المتهالكة والمنقسمة في انجمينا.
وعندما طلب فريق أصدقاء ـ هبري ـ آنذاك كل من مصر والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا فضلا عن السودان بضرورة إعلان وقف إطلاق النار لمدة ستة أشهر على الأقل بواسطة الرئيس ـ نميري ـ من جانب واحد حتى لا يضطر الرئيس قوكني إلى طلب بقاء القوات الليبية في تشاد مجددا لتعقيد الموقف قال هبري انه يعلن لوقف إطلاق النار لمدة المعلنة لانسحاب القوات الليبية فقط؟
فعندما ألح الرئيس ـ نميري ـ لضرورة تنفيذ طلب الأصدقاء قال هبري الذي كان في غرفة عملياته في قرية كلبس بغرب السودان لسان حاد وهو غضبان من فرط حساسيته من محاولة التدخل في شأنه الداخلي قائلا: إن انجمينا أقرب إليه من الخرطوم بعد اليوم!؟
وفعلا لم تجر أية مكالمة تليفونية بين الرجلين حتى وصل هبري إلى انجمينا وذلك بعد إسقاط الحكومة الوحدة الوطنية الانتقالية برمتها في 7من يونيوعام 1982م.
ولكن ظلت الحكومة الانتقالية تواصل نضالها المريّر بدعم ليبي للوصول مجددا إلى سدة السلطة حتى وقوع خلاف حاد بين السيد: قوكني وداي والسلطات الليبية بطرابلس في عام 1987م على أثره أمر السيد: قوكني ـ قواته بالانضمام إلى حكومة السيد: هبري ـ بدون شروط الأمر الذي فتح المجال لأول مرة لحكومة هبري للتعامل مباشرة مع القوات الليبية لتحرير شريط ـ أوزو ـ المحتلة من قبل ليبيا منذ السبعينيات من قرن الماضي وذلك يعتبر حلما مهما للرئيس ـ هبري ـ شخصيا ولشعب التشادية عامة ، وبالفعل تمكن الجيش التشادي من الدخول في الشريط معلنا تحريرها بالكامل في أواخر عام 1987م وذلك بعد تحرير كافة مناطق شمال التشادي من فادا ووادي الدوم وفايا وأسر أكثر من ستة آلاف من أفراد القوات الليبية وعلى رأسهم العقيد: خليفة حفتر ـ ولكن تمكنت قوات الليبية بعد واحد وعشرين يوما من إعادة احتلال الشريط الأمر الذي جعل الرئيس ـ هبري ـ أن يقوم برد فعل غير مسبوق في تاريخ الصراع بين البلدين حيث أمر قواته بدخول في عمق الأراضي الليبية لمسافة مائة كيلو مترا وذلك ، لتدمير قاعدة ـ معطن سارة ـ العسكرية لتوجيه رسالة مؤلمة للقيادة الليبية التي استوعبت مقصد الرسالة بصورة جيدة وأعلنت فورا اثر ذلك الهجوم الخاطف عن اعترافها بحكومة الرئيس ـ حسين هبري ـ لأول مّرة ثم دعت إلى التفاوض من أجل حل قضية ـ أوزو ـ بالطرق السلمية وهذا ما تم بالفعل حيث حكمت محكمة العدل الدولية لصالح تشاد في عام 1994م يلاحظ انه بالرغم من إن حكومة الرئيس ـ هبري ـ قد حققت انجازات مهمة في الدولة التشادية منها على سبيل المثال : ـ
ـ إعادة بناء كيان مهم للدولة التشادية في الأسرة الدولة والإقليمية بشكل مقدر.
ـ إعادة تكوين الإدارة العامة في الدولة على أسس جيدة بعد انهيار الإدارة في ظل حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية نتيجة تعميم الفوضى في شريان الإدارة.
ـ إعادة بناء أساس للجيش الوطني وان لم تكتمل أركانه بعد في عهده.
ـ حسن إدارة الصراع ضد ليبيا لتمكن من تحرير إقليم ـ أوزو ـ المحتلة.
ـ تمكن من إجراء مصالحات هامة مع خصومه السياسيين من المعارضة المسلحة.
ولكن على رغم من هذه الايجابيات الهامة إلا انه قد أخفق نظام هبري في نقاط أخرى لا تقل في نظري أهمية عن تلك الانجازات الهامة وهي:ـ
ـ فشل حكومة الرئيس ـ هبري ـ من تحويل البلاد إلى نظام حكم ديمقراطي تعددي يتحقق فيه ضمانات حقيقية للحريات الأساسية العامة وعدالة الاجتماعية وذلك تمشيا مع رياح التغيير الديمقراطي في بداية الثمانينيات عقب انهيار الاتحاد السوفيتي السابق.
ـ فشل النظام في القيام بقراءة صحيحة للمتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية خاصة تداعيات حرب الخليج الثاني ورغبة واشنطن في الحصول على إجماع دولي خاصة موقف الفرنسي المتردد من ضرب بغداد دون الحصول على مقابل من أمريكا كان هبري في قائمة ملف التفاوض الفرنسي مع أمريكا كما كان السيد: ميشيل عون ـ في قائمة الملف السوري للمشاركة في حرب تحرير الكويت مع أمريكا.
ـ فشل النظام في تلجيم إصلاح مؤسسة البوليس السياسي السيئ السمعة.
ـ فشل النظام في تحسين سجله في احترام حقوق الإنسان وفق المعايير الدولية والإقليمية.
وبذلك سرعان ما شب خلاف حاد وعميق في قمة مؤسسة النظام الحاكم أي بين القيادة السياسية بقيادة ، هبري ، من جهة وقيادة العسكرية بقيادة كل من: حسن جاموس قائد أركان جيش التشادي وإدريس ديبي ، مستشار العسكري للرئيس من جهة أخرى وعلى إثره انسحبا الأخيرين إلى خارج حدود التشادية وكان ذلك في ابريل عام 1989م وجرت معارك طاحنة بين قوات الحكومة التشادية وقوات المعارضة المدعومة من ليبيا وفرنسا والسودان بقيادة الرئيس الحالي السيد: إدريس ديبي ـ الذي تمكن من الوصول إلى السلطة في نهاية المطاف ، وذلك في ديسمبر عام 1990م اثر سقوط حكومة الرئيس ـ هبري ـ بعد ثمانية سنة من الحكم في تشاد وطوال هذه الفترة إن تدفق دماء الذكية للشعب التشادي لم تتوقف تارة في قتال بيني في الصراع على السلطة كما تقدم وتارة أخرى مع ليبيا من أجل تحرير ـ أوزوـ المحتلة كما تمت الإشارة إليها.
أما بوصول الرئيس ـ ديبي ـ إلى السلطة وإعلانه بأنه أهدى الحرية والديمقراطية لشعب التشادي ظن البعض بأن الحرب يمكن أن يتوقف في تشاد بعد اليوم ولكن سرعان ما ظهر الوجه الآخر لرئيس ـ ديبي ـ وذلك عندما قال انه لم يأت إلى السلطة بتذكرة من طائرة من خطوط الجوية الإفريقية كناية عن انه جاء بالقوة العسكرية ولن يترك السلطة إلا بالقوة أيضا ! فمن هنا شعر الشعب التشادي بخيبة أمل شديد ومكث الرئيس ـ ديبي ـ في السلطة عشرين سنة عجاف لا يزال جاثما في العرش وماسكا بنوا جزه وفي عهده شهدت البلاد أسوء المعارك بل دخلت كافة الأقاليم والمناطق التشادية في الحروب الأهلية وعلى سبيل التوضيح:ـ
ـ دخلت منطقة الغربية في الحرب بـ : حركة من أجل الديمقراطية والتنمية ـ في عام 1992م.
ـ دخلت الأقاليم الجنوبية ـ بحركتي بقيادة : لوكن برداي وكيتى مويس.
ـ دخلت منطقة الأوسط ـ بقيادة الراحل: كافين ـ عقب تمرد مجموعة الراحل: مالدوم بادا عباس.
ـ دخلت منطقة الشرقية منذ تمرد : الدكتور الحارث و جنرال قرفا ثم محمد نور عبدالكريم وعقيد عب